الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.ثورة بركة ونكبته واستقلال الأمير برقوق بالدولة. كان هذا الأمير بركة يعادل الأمير برقوق في حمل الدولة كما ذكرناه وكان أصحابه يفوضون إليه الاستبداد في الأموال وكان الأمير برقوق كثير التثبيت في الأمور والميل إلى المصالح فيعارضهم في الغالب ويضرب على أيديهم في لكثير من الأحوال فغضوا بمكانه وأغروا بركة بالتوثب والاستقلال بالأمر وسعوا عنده باشمس من كبار أصحاب الأمير برقوق وأنه يحمل برقوق على مقاطعة بركة ويفسد ذات بينهما وأنه يطلب الأمر لنفسه وقد اعتزم على الوثوب عليهما فجاء بذلك إلى الأمير برقوق وأراد القبض على اشمس فمنعه الأمير برقوق ودفع عنه وعظم انحراف بركة على أشمس ثم عن الأمير برقوق وسعى في الاصلاح بينهما الأكابر حتى كمال الدين شيخ التكية والخلدي شيخ الصوفية من أهل خراسان وجاؤا بأشمس إلى بركة مستعتبا فأعتبه وخلع عليه ثم انحرافه ثانية فمسح أعطافه وسكن وهو مجمع الثورة والفتك ثم عاود حاله تلك ثالثة واتفق أن صنع في بيت الأمير برقوق لسروروليمة في بعض أيام الجمعة في شهر ربيع سنة اثنتين وثمانين وحضر عنده أصحاب بركة كلهم وأهل شوكته وقد جاءه النصيح بأن بركة قد أجمع الثورة غداة يومه فقبض الأمير برقوق على من كان عنده من أصحاب بركة ليقص جناحه منهم وأركب حاشيته للقبض عليه واصعد بدلان الناصري على مأذنة مدرسة حسن فنضحه بالنبل في اصطبله وركب بركة إلى قبة النصر وخيم بها ونودي في العامة بنهب بيوته فنهبوها للوقت وخربوها وتحيز إليه بيبقا الناصري فخرج معه وجلس الأمير برقوق بباب القلعة من ناحية الاصطبل وسرح الفرسان للقتال واقتتلوا عامة يومهم فزحف بركة على تعبيتين احداهما لبيبقا الناصري وخرج الاق الشعباني للقائه وأشمس للقاء بيبقا الناصري فانهزم أصحاب بركة ورجع إلى قبة النصر وقد اثخنوا بالجراح وتسلل أكثرهم إلى بيته وأقام الليل ثم دخل إلى جامع البلدة وبات به ونمي إلى الأمير برقوق خبره فأركب إليه الطنبقا الجوباني وجاء به إلى القلعة وبعث به الأمير برقوق إلى الاسكندرية فحبس بها إلى أن قتله النائب بها صلاح الدين بن عزام وقتل به في خبر يأتي شرحه أن شاء الله تعالى وتقبض على بيبقا الناصري وسائر شيعته من الأمراء وأودعهم السجون إلى أن استحالت الأحوال وولى وظائفهم من أوقف عليه نظره من أمراء الدولة وأفرج عن انيال الثائر قبله وبعثه نائبا على طرابلس واستقل بحمل الدولة وانتظمت به أحوالها واستراب سندمر نائب دمشق لصحابته مع بركة فتقبض عليه وعلى أصحابه بدمشق وولى نيابة دمشق عشقتمر ونيابة حلب انيال وولى اشمس الأتابكية مكان بركة والاق الشعباني أمير سلاح والطنبقا الجوباني أمير مجلس وابقا العثماني دوادار وجركس الخليلي أمير الماخورية والله تعالى ولي التوفيق..انتقاض أهل البحيرة وواقعة العساكر. كان هؤلاء الظواعن الذين عمروا الدولة من بقايا هوراة ومزاتة وزناتة يعمرونها بمن تحت أيديهم من هذه القبائل وغيرهم ويقومون بخراج السلطان كل سنة في ابانه وكانت الرياسة عليهم حتى في اداء الخراج لبدر بن سلام وآبائه من قبله وهو من زناتة احدى شعوب لواتة وكان للبادية المنتبذين مثل أبي ذئب شيخ أحياء مهرانة وعسرة ومثل بني التركية أمراء العرب بعقبة الإسكندرية اتصال بهم لاحتياجهم إلى الميرة من البحيرة ثم استخدموا لامراء الرتك في مقاصدهم وأموالهم واعتزوا بجاههم وأسفوا على نظائرهم من هوارة وغيرهم ثم حدثت الزيادة في وظائف الجباية كما هي طبيعة الدول فاستثقلوها وحدثتهم أنفسهم بالامتناع منها لما عندهم من الاعتزاز فأرهقوا في الطلب وحبس سلام بالقاهرة وأجفل ابنه بدر إلى الصعيد بالقبلية واعترضه هناك عساكر السلطان فقاتلهم وقتل الكاشف في حربه وسارت إليه العساكر سنة ثمانين مع الاق الشعباني وأحمد بن بيبقا وانيال قبل ثورته فهربوا وعاثت العساكر في مخلفهم ورجعوا وعاد بدر إلى البحيرة وشغلت الدولة عنهم بما كان من ثورة اينال وبركة بعده واتصل فساد بدر وامتناعه فخرجت إليه العساكر مع الاتابك اشمس والأمير سلام والجوباني أمر مجلس وغيرهم من الامراء الغريبة ونزلت العساكر البحيرة واعتزم بدر على قتالهم فجاءهم النذير بذلك فانتبذوا عن الخيام وتركوها خاوية ووقفوا على مراكزهم حتى توسط القوم المخيم وشغلوا بنهبه فكرت عليهم العساكر فكادوا يستلحمونهم ولم يفلت منهم إلا الأقل وبعث بدر بالطاعة واعتذر بالخوف وقام بالخراج فرجعت العساكر وولى بكتمر الشريف على البحيرة ثم استبدل منه بقرط بن عمر ثم عاد بدر إلى حاله فخرجت العساكر فهرب أمامها وعاث القرط فيهم وقتل الكثير من رجالهم وحبس آخرين ورجع عن بدر أصحابه مع ابن عمه ومات ابن شادي وطلب الباقي الامان فأمنوا وحبس رجال منهم وضمن الباقون القيام بالخراج واستأمن بدر فلم يقبل فلحق بناحية الصعيد واتبعته العساكر فهرب واستبيح مخلفه واحياؤه ولحق ببرقة ونزل على أبي ذئب فأجاره واستقام أمر البحيرة وتمكن قرط من جبايتها وقتل رحاب وأولاد شادي وكان قرطاي يستوعب رجالتهم بالقتل وأقام بدر عند أبي ذئب يتردد ما بين احيائه وبين الواحات حتى لقيه أهل الثأر عنده فثأروا منه سنة تسع وثمانين وذهب مثلا في الآخرين والله تعالى أعلم.
|